أولاً وأخيراً أنا فتاة شرقية .
حوار مع الفنانة الفلســــطينية نادين سلامة
عندما أخذت الدور في التغريبة كنت أسعد إنسانة بالعالم .
١٤ حزيران (يونيو) ٢٠٠٧، أجرى الحوار: أحمد مظهر سعدو
ليست الفنانة الجميلة و المتألقة نادين سلامة فنانة عادية، بل مجتهدة ومتميزة وهذا ما لاحظه المشاهد في مسلسل التغريبة الفلسطينية وقبله في فيلم ( رؤى حالمة ) و ( حكاية خريف ) وغير ذلك من أعمالها ..لقد استطاعت نادين مع مجموعة التغريبة أن تقدم شيئاً مهماً .. من هنا فقد التقينا بها في دمشق .. وفتحت لنا قلبها وكان هذا الحوار الهادىء والصريح ..الذي أكدت فيه على دور الفن الملتزم بقضايا الأمة ، ودوره وامكانياته في استنهاض الناس.. عن كل ذلك وأشياء أخرى كان هذا الحوار :
- الفنانة نادين سلامة دورك في التغريبة الفلسطينية هل كان من اختيارك أم من اختيار المخرج؟
الأستاذ حاتم علي هو الذي اختارني لهذا الدور، وكان ذلك قبل التصوير في مدة قصيرة جداً، وأنا كنت موافقة، لأنه لدي حلم بأن أعمل ولو مشهداً واحداً في " التغريبة الفلسطينية " لذلك فعندما أعطاني هذا الدور كنت أسعد إنسانة في العالم، وكان ذلك خيار الأستاذ حاتم علي.
- برأيك مالذي جعل " التغريبة الفلسطينية " يلقى هذا النجاح؟
هذه قضية نحن نعيشها حتى الآن، ونحن لا نتكلم عن قضية بعيدة عنا، فقربها من الواقع من قضايا الأمة هو سبب النجاح، فما يجري في العالم العربي مثل العراق وفلسطين يحتاج إلى تجسيد، فأنت تشعر في بعض الأحيان أنك تود أن ترى الآن ماذا يجري في العراق، ولأن الناس قد تنسى أو تتناسى فأنت تحتاج إلى إعادة ربطهم بالقضية ..( فالتغريبة الفلسطينية ) عمل حقيقي ما زال معاشاً، فنحن من الممكن أن ننسى أي شيء في الحياة سوى أنه لدينا أرضاً محتلة …ويجب أن نبقى متمسكون بها حتى آخر لحظة.. والواقع أنه ليس الشعب الفلسطيني فقط الذي أحب هذا العمل، بل من كافة أنحاء الوطن العربي.. لقد كان العمل مليئا بالتجسيد الواقعي بفضل الممثلين والمخرج والكاتب. و النص كان قوياً وصادقاً وحقيقياً وكذلك الأستاذ حاتم..فكان يشعر أن هذه القصة تخصه مباشرةً، وأنا أعتبر هذا العمل هو أهم عمل كان في السنة الماضية، ولا أرى ما هو أهم منه، سواء ككتابة أو إخراج أو تمثيل أو موسيقا أو ديكور، وكان أصغرنا و أكبرنا في هذا العمل قد عمل بكل ما يستطيعه.
- وإذا كان القرب من الحالة الشعبية والقرب من الواقعية يخلق النجاح..فلماذا الابتعاد عن ذلك نحو الفانتازيا مثلاً؟
الفانتازيا موجودة .. وحقيقة فإن لدينا مشكلة..حيث نرى الناس وفجأة تريد التاريخي، ثم ينتقلون جميعاً إلى الاجتماعي، ثم كلهم يعملون عن فلسطين، ولكن وكما أرى فنحن بحاجة إلى التنويع فإذا كان هناك عمل فانتازي فلا مشكلة، نحن بحاجة لكل شيء، لنستطيع أن نقيم، ونميز، وتاريخنا بحاجة إلى تجسيده.. ومن ليس له تاريخ ليس له مستقبل ولا حاضر، ونحن يجب أن نحكي في التاريخ عن كل شيء ، الحسن والسيء، الفترات المظلمة، أو الباهرة فيه.. لكن الفانتازيا اليوم قد أفلت أو قلت كثيراً.. فهذه السنة مثلاً لم يكن سوى عمل فانتازي واحد، لأن هناك البعض يحب الفانتازي.
هل مثلتم التغريبة في مخيمات فلسطينية حقيقية .. أم مصطنعة وديكور؟
المخيم في التغريبة كان حقيقياً، حيث بنيت مدينة كاملة بشكل حقيقي لتكون المخيم فكان ناصر الجليلي هو الذي هندس الديكور، وكل هذه القرية التي بنيت حقيقية وهو واقع حقيقي…ولم نحتج لنمثل في مخيم ما.. بل بنيناه نحن، حيث لا يرضى الأستاذ حاتم علي بأي شيء.
- إلى أي حد كان للمخرج حاتم علي دور في نجاح هذا المسلسل؟
لحاتم علي دور أكبر من الكبير، له ولوليد سيف، لهما الدور الأكبر فالنص هو بطل أولاً وأخيراً، فنص الدكتور وليد سيف أهم بطل، والأستاذ حاتم، واختياره لهذا النص، و المغامرة في اختيار هذا النص حيث نعرف أن ( الشتات) لم يعرض إلا على ( المنار ) لذلك فإن الأستاذ حاتم قد جازف، والفضل الأول والأخير له عندما قرر أن يصنع هذا العمل، ثم أتينا نحن بعده.. ولكل شخص في هذا العمل مهمة ودور..فهذا العمل لا يجزأ…وهما وليد وحاتم أكثر اثنين يعود لهما الفضل بنجاحه. والشركة المنتجة بالطبع.
- في السينما عملت في (رؤى حالمة ) ونجحت بامتياز ..فهل ستكررينها؟
أنا ليس لدي مشكلة في أن أعمل سينما.. وأنا أعتبر أن السينما مخلدة، مثل الكتاب.. فهي تبقى محفوظة، أما التلفزيون فهو محرقة، لكنه يصنع شهرة أكثر … وانتشاراً أكبر..لكن السينما هي الأهم.. وأنا أحب العمل في السينما، لكن السينما لدينا قليلة جداً، ونحن بحاجة لشركات، ونحتاج لمعهد للسينما..ودوراً للعرض.. نحتاج لنصوص مهمة، لنستطيع تجسيدها… فالهند تنتج أكثر من هوليود.. أما نحن فننتج فيلمين في السنة..مع فيلم قصير.. نحن نحتاج لدعم السينما السورية أولاً، لتستطيع السينما أن تتطور، ولتقف على رجليها… ومسلسلاتنا تميزت، ونتمنى أن تتميز السينما لدينا .
- وما شروطك للسينما ؟…وهل تقبلين بشروطها هي ؟
أن يكون العمل السينمائي محترماُ… سواء أكان اجتماعياً أم سياسياً.. المهم أن يكون العمل جادا وهادفا وفيه فكرة، وليست المشكلة أن يبنى على قصة حب، أو عن شخصية معينة في حد ذاتها، أو وضع معين …أو مرحلة معينة . المهم أن يكون فيه ما هو محترماً، وأن لا أقدم نفسي بالشكل غير السوي، فأنا بنت بيئة أقدم نفسي، وأقدم المجتمع و العادات، التي أعيش داخلها بغض النظر عن أننا خسرنا الكثير من عاداتنا وتقاليدنا، فأولاً وأخيراً أنا فتاة شرقية. وقد جاءتني عروض كثيرة لأعمل في أعمال كثيرة.. وأنا في العموم أقدم حرية الشخص… أولاً وأخيراً، لكننا بحاجة لناس تتقبل ذلك .. فالناس لم تتقبل بعد حتى أبسط الأمور، فكيف إذا صنعت مشهداً عاطفياً جسدياً ..ولكن الواقع أن هناك مليون وسيلة للتعبير عن ذلك، فمرة شاهدت مشهداً في فيلم جميل جداً وهو عاطفي وبدون أية ممارسة للجنس حيث رأيت الحبيبين يأكلان العنب بطريقة جميلة للغاية، وتؤجج المشاعر وتقول الكثير…وأحياناً يضطر المخرج لأشياء من الضرورة ورودها في الفيلم، وأحياناً ترى أن المشاهد مقحمة إقحاماً على الفيلم. ويبقى المهم أن يخدم المشهد العمل، وليس الهدف تجارياً، يجب أن يكون المشهد من صلب الموضوع، وبدونه لا يكون الفيلم. ويبدو أننا نحتاج الوقت لتصبح هذه المسائل لدينا، وحتى يمكن للناس أن يتقبلوها.
- ولأنك عملت مع مخرجة أنثى ..من الأفضل التعامل مع مخرج أم مخرجة ؟ وخاصةً في السينما؟
هذا ليس له علاقة برجل أو إمرأة، ولكن من الممكن لأن العمل له علاقة بالفتيات، وفيه تفاصيل، لم أكن أستحي في أن أقولها للمخرجة الأنثى.. فأحسست بالراحة أكثر، ولكن هناك أناس مخرجين رجال مريحون بالتعامل معهم.. وهم يعاملوننا بطريقة مريحة، ولكن في ذلك الفيلم كنت أشعر بأنني من الممكن أن أقول لها أشياء لا يمكن أن أقولها لسواها. بالإضافة إلى أنها كانت من كتب نص الفيلم .
- جيلك من الممثلات ..ما آفاق طموحاته يا ترى؟
هناك طموحات مهمة لأبناء جيلي .. يمكن أن تساهم في أن يقفوا على أرض صلبة.. وهناك طموحات تخص البعض دون الآخرين .. وهناك أحلام بأن نقدم شيئا يمكن أن يترك أثراً.
- يقال بأنك ممثلة تلفزيونية جريئة.. ما مدى صحة ذلك؟
أنا بالنسبة لي إما أن أعمل الشيءحتى الأخير أو لا أعمله … وعندما تأخذ دور تمثيلي وتقدم شخصية يجب أن يكون بكل تفاصيلها أو يجب أن لا تعملها بالأساس. ففي " التغريبة " عملت دور الأم، وهذا الدور أكبر مني بكثير. وذلك لأن لدي رغبة و ليس لدي أي مشكلة أن أخرج بعمل كواحدة غير جميلة أو أنها كبيرة بالسن، لأن اعتباري يذهب إلى أن التمثيل هو كل هؤلاء الأشخاص الموجودين في الحياة، وليس المهم أن نخرج للناس كأناس جميلي المظهر.. الأهم من ذلك أن نظهر حقيقيين، ونحكي عن أشياء معاشة.. وأنا مستعدة لأعمل كل شيء والأشياء الصعبة خاصةً.. ولأرى بعدها إلى أي حد يمكنني إتقانه أو لا ..
· وهل ستستمرين في الجرأة هذه؟
بما أن الجرأة ليس فيها شيء ينفر الناس، ولا يوجد فيها ما يثير اشمئزاز المشاهد منها.. فكل إنسان بداخله جرأة، وفي بعض اللحظات هو بحاجة لأن يكون جريئاً. والأهم أن تكون في الحياة جريئاً بدون أن تكون وقحاً فهذا مفيد.
- أين أنت من المسرح.. ؟
عملت مسرحية فقط مع الدكتورة حنان قصاب حسن، اسمها (حكاية البحث عن الجزيرة المجهولة) من إعدادها وإخراجها، و النص بالطبع كان قد حصل سابقاً على جائزة نوبل للآداب، وأنا ليس لدي مشكلة في أن أعمل في المسرح، ولكن المسرح بحاجة للوقت الكافي. بحاجة للتفرغ. ولدينا فموضوع العناية بالمسرح غير موجود، وجمهور المسرح قد قل كثيراً عن السابق، نحن بحاجة لدعم الممثل المسرحي. ولكي يستطيع أن يمثل بالمسرح دون التلفزيون، يجب أن يكون هناك أجر مناسب، وعناية، وسواها.. وهذا لا يحصل.. ومع ذلك فأنا أحلم بأن أشتغل بالمسرح، فهناك مجموعة من المسرحيين المهمين، وإذا جاءني معهم عمل مسرحي فيمكن أن أعمل فيه .. ولكن لا أقبل أن أعمل بأي مسرح.. فأنا لا أعمل بالمسرح التجاري .. ومن أجل ماذا أعمل به بالأصل.